استطاع النفساني الأميركي (البورت) أن يستخرج أكثر من خمسين تحديداً مختلفاً لمفهوم الشخصية، وأقرب التعريفات هو:
الشخصية: مجموعة الخصائص (الجسمية) و(النفسية) التي تُميّز الفرد عن غيره من الأفراد تميُّزاً بيّناً، وتُحدّد طريقته الخاصّة للتكيُّف مع البيئة المادّية والمعنوية.
وللشخصية -كما في الموسوعة الإسلامية الميسّرة، ج7، ص1391- جانبان:
الأوّل: ذاتي: أي شعور الشخص بذاته، ويتكوّن تدريجياً مارّاً بثلاث مراحل رئيسة:
1- الشعور بالذات (الجسمية)
2- الشعور بالذات (النفسية)
3- الشعور بالذات (الاجتماعية)
الثاني: موضوعي: ويتكوّن من مجموعة السمات التي تُتيح للفرد أن يسلك إزاء الآخرين سلوكاً موسوماً بطابعه (أي بخلفيّته الثقافية والمهنية والسلوكية).
ولما كان للمبدأ أكبر الدور في صياغة الشخصية، فقد أُضيفت إليه فيقال -مثلاً- الشخصية المسلمة، ويراد بها المقوَّمات الثلاثة الآتية:
1- الفكر
2- العاطفة
3- السلوك
ولأنّ حديثنا في هذا الكتاب منصب على الذكاء العاطفي، فإنّنا سنركّزه في التعريف بالمقوَّم الثاني الذي يُعبَّر عنه بتعبير أشمل وهو (الوجدان الإنساني) الذي يتفرّع بدوره إلى (العاطفة): حُبّاً وبُغضاً، وإلى (الانفعال) غضباً وفرحاً وخوفاً ورجاءً، ذلك أنّ الإنسان -كما يرى صاحب (الإعداد الروحي)- ليس مركباً آلياً يتحرّك بسبب الإثارات والحركات الخارجية، ولا كائناً عقلياً صرفاً يتحرّك بسبب رؤيته العقلية فقط، أو يتصرّف بإرادة محضة لا يشاركها (لا يمازجها) حُبٌّ ولا بُغض، ولا غضب ولا سرور، وإنّما هو (وجدانٌ) أيضاً، أي عاطفة وانفعال.. وللحياة الوجدانية في التربية الإسلامية لبناء الشخصية مبدآن:
1- تكوين وجدان إسلامي خاص بالإنسان المسلم. (هذا لا يعني أنّ وجداننا الإسلامي قماشة خاصّة أو طراز بعيد عن الوجدان الإنساني، وإنّما هو على الرغم من خصوصيّته إنسانيٌّ بامتياز).
إنّ الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة، يؤثّر كلُّ جانب منها وكلُّ جزء في الجانب الآخر والأجزاء الأخرى.. فليس من الممكن للإسلام أن يحكم السلوك الاجتماعي والسياسي للناس، دون أن يُغيّر من مضمونهم العاطفي، والانفعالي، والوجداني، ودون أن يُغيّر من مفاهيمهم الحياتية ورؤاهم الفكرية حول الكون والحياة، كما لا يمكنه أن يؤكّد على جوانب الفكر والوجدان في شخصية الإنسان المسلم، دون أن يؤكّد على جانب السلوك والنظام الاجتماعي، والسلطة الحاكمة.
2- تحكيم (العقل) و(الدين) على (العاطفة) و(الانفعال)، فمهما كانت العواطف والانفعالات رسالية وإنسانية عامّة، أو منحرفة، فهي محكومة -في شخصية الإنسان المسلم- لإرادة الله تعالى التي يعرفها العقل. غير إنّ ارتباط الغريزة والعاطفة والانفعال (كطاقة نفسية) ليس ارتباطاً حتمياً وإنّما هو ارتباط اقتضائي، إذ يمكن للإنسان أن يحول بين العاطفة والانفعال وبين نتائجهما العملية. وإنّ العواطف -حتى ولو كانت دينية- لا تقتضي دائماً الفعل الذي ينسجم مع إرادة الله تعالى، بل قد تختلف مقتضياتها مع مقتضيات الإرادة الإلهية. فقد يَسبُّ المؤمن -لعاطفته الدينية- الذين كفروا فيسبّوا الله تعالى. وقد ينفعل -غاضباً لله تعالى- فيتعجَّل بموقف يعود بالضرر على الدين، وعلى هذا أناط الإسلام (الفعل) بتدبُّر عاقبته.. فعن النبيّ (ص): «إذا هممت بأمرٍ فتدبَّرَ عاقبته، فإنْ يكُ رشداً فامضه، وإن يكُ غيّاً فدعه».
من هنا يعلن الإسلام عن ضرورة ازدواج الفكر والعاطفة واجتماع العقيدة والإحساس حتى تدبُّ حياة المشاعر الدافئة والعواطف في العقيدة وتصبح مصدر حركة وقوّة دفع لا مجرّد فكرة عقلية باردة لا يخفق لها الحسّ ولا تتدفق بالحياة.
يقول (السيد محمّد باقر الصدر) في كتابه (رسالتنا): «الإسلام لا يريد المفاهيم والأفكار بمعزل عن العمل والتطبيق، وإنّما يريدها قوىً دافعة لبناء حياة كاملة في إطارها وضمن حدودها، ومن الواضح إنّ الأفكار والمفاهيم لا تُصبح كذلك إلّا حين تتخذ أشكالاً عاطفية، وحين تخلق الانفعالات التي تناسبها والعواطف التي تساندها، تتخذ هذه العواطف موقفاً إيجابياً في توجيه الحياة العملية والسلوك العام. فمفهوم المساواة -مثلاً- الذي هو من أهم المفاهيم التي بشّرَ بها الإسلام، لا يمكن أن يثمر في الحقل العملي الثمر المطلوب ما لم ينبثق من عاطفة كعاطفة الأخوّة العامّة ليصاغ المفهوم في شعور عاطفي دفّاق قادر على الحركة والتوجيه».
والمفكّر الصدر يريد هنا مقولة الإسلام الشهيرة: «مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى»!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق